التراجــع الأميركــي حقائــق بــلا أوهــام
د.نسيب حطيط
لقد صدر التقرير الإستراتيجي لمجلس المخابرات الأميركي ضمن التقرير الحكومي بعنوان(الإتجاهات العالمية حتى العام2025)والذي يحاول التنبؤ بأحداث السياسية الدولية خلال العقدين المقبلين خاصة على مستوى الدور الأميركي في العالم بعد إنفرادها منذ العام1990تاريخ تفكك الإتحاد السوفياتي بالسيطرة على مقاليد السياسة الدولية.
وقد أكد التقرير على أن قوة نفوذ الإدارة الأميركية ستتقلص على المستوى الدولي في ظل مستقبل غير مستقر في التحالفات والعلاقات الدولية بسبب الصراع على الموارد الطبيعية المتناقصة(النفط-الغاز والمياه...).
وقد أشار بعض الخبراء أن الإقتصاد العالمي يعيش إرهاصات ومؤشرات الحالة الإقتصادية قبل الحرب العالمية الأولى التي سبقت إنهيار الأمبراطورية العثمانية وتقاسم إرثها السياسي الجغرافي مع إستثناء متناقض مع ظروف إندلاع الحرب العالمية الأولى أو الثانية هو عجز أي طرف للمبادرة لإشعال هذه الحرب على المستوى العالمي والإكتفاء بإشعال حرائق موضعية إقليمية خاصة مناطق(الشرق الأوسط)وفي الإتحاد الروسي ودول آسيا الوسطىومنطقة الهند الصين خاصة (كوريا الشمالية)ويظهر العجز والتراجع الأميركي الحقيقي والذي تثبته الدراسات والوقائع الميدانية فيظهر ضمن التالي:
الوضــع الإقتصــادي
إن الوضع الإقتصادي الأميركي بعد الأزمة المالية العالمية والتي ضربت أميركا خصوصا فقد عجزت أميركا عن تجاوزها حتى الان ولم تستطع وفق التدهور السريع ولا زالت معدلات البطالة والنفقات العسكرية للحروب الخارجية ومنافسة الصين إقتصاديا لأميركا إلى حد إبتلاع الإقتصاد الأميركي عبر الديون الصينية لأميركا والتي تجاوزت1200مليار دولار(1.2تربليون دولار)ويمكن أن تلجأ أميركا إلى المماطلة بحل فاعل لخفض العجز مما سيؤدي إلى أزمة ديون طويلة المدى وسيستمر إنخفاض قيمة الدولار طوال الأزمة ،خاصة وأن التصنيف الإئتماني لأميركا قد إنخفض من العلامة(AAA)إلى العلامة(AA+)
الـدولار
أصدرت الأمم المتحدة دراسة أكدت فيها أن الدولار لم يعد قادرا على لعب دور العملة الإحتياطية الوحيدة للعالم لأنه لا يتمتع بالإستقرار، وتتجه أكثر المصارف المركزية لإستبدال الدولار بسلة من العملات كتدبير إحتياطي للأزمات العالمية في المستقبل حيث تراجعت نسبة الدولار في الإحتياطات المالية للمصارف المركزية إلى57.3%.
الموقـف الشعبـي مـن أميركـا
وفق إستطلاع للرأي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية أظهر تراجعا في ثقة الشعوب بالولايات المتحدة ليس على مستوى العالم العربي أو الإسلامي بل تعداه إلى مناطق عديدة في العالم وقد تم إستنزاف النفوذ الأميركي والثقة بالتحالف معها بسبب الخوف والتجارب التي أثبتت أن النوايا الأميركية الحقيقية تتناقض مع شعاراتها، حيث تعلن وقوفها إلى جانب المطالب الديمقراطية والتعددية السياسية في الشرق الأوسط، بينما يفتقر حلفائها والذين تحميهم على الملوك والأمراء الذين لا يعرفون الديمقراطية أو تداول السلطة ويعتمدون الوراثة السياسية بديلا عن التعددية السياسية وقد أظهر الإستطلاع أن عدد الذين لا يثقون بأميركا في العالم العربي وكذالك باكستان حوالي70%وأكد حوالي39%بأنهم لا يثقون بأميركا على الإطلاق ظاهرا وباطنا.
التصحــر العسكــري الأميركـي
منذ العام2001توسع الإحتلال والإنتشار العسكري الأميركي في العالم حتى كاد يغطي عبر القواعد العسكرية أو الإحتلال المباشر ثلثي العالم ، وإذا ما أضيف له الحلفاء فلا يبقى في العالم سوى بعض الدول الناجية من الوجود العسكري،أما الآن فإن التصحر قد أصاب هذا الوجود بعد الإنسحاب من العراق والإنسحاب المقرر من أفغانستان،وحتى لو بقي وجود عسكري فإن هذا التواجد له مردود معنوي ورمزي أكثر من فعاليته القتالية أو الردعية بل ويعاني حلف الناتو من العجز البشري لتغطية مناطق إنتشاره وحتى الأميركيين فإنهم بدوا مترددين في ليبيا من التدخل المباشر وفي سوريا يدفعون غيرهم وخاصة تركيا للتورط ويبعدون أنفسهم عن الكأس المرة.
تساقـط الحكـام الحلفـاء
لقد تساقط حلفاء أميركا في الشرق الأوسط خاصة حسني مبارك في مصر وزين العابدي بن علي في تونس وعلي عبدالله صالح في اليمن والقذافي في ليبيا وأهتزت البحرين وبدأ التشقق في العائلة المالكة السعودية وكذلك في الكويت،وقطر تجلس على بحر هائج يحمي الأمير وعائلته نفسه بالتنازلات للأميركيين وتقديم خدمات الفتنة في العالم العربي وخاصة في سوريا.
لقد فشل المشروع الأميركي في سوريا بعد ثمانية عشر شهرا من بدء الحراك السوري ونجح الأميركيون وحلفائهم الأعراب والأتراك وإسرائيل والغرب في تدمير سوريا وتخريب الأمن الإجتماعي والإقتصادي للشعب السوري الذي تجاوزت خسائره كدولة وكشعب الـ 70مليار دولار حتى الآن كخسائر مباشرة وغير مباشرة، لكن الأساس أن المشروع الأميركي فشل وإنهزم،نتيجة صمود ثلاثية المقاومة والعروبة في سوريا(القيادة والجيش والشعب)وإن إستنزفت سوريا لكنها أسقطت المشروع وسيجبر الجميع للعودة للحل السياسي الذي يكون فيه النظام أساسا في إعادة الحياة إلى سوريا والحفاظ على وحدتها.
إن عاد أوباما رئيسا لأميركا فلن يكون أمامه سوى سلوك طريق المفاوضات مع الثلاثي(روسيا-إيران والصين)لإعادة ترتيب المشهد السياسي الدولي والإقليمي.
أميركا تتراجع... ومحور المقاومة والممانعة لا زال صامدا... صحيح أن الأثمان عالية لكن الكرامة والعزة والحرية وحفظ الأوطان لا تكون إلا بالدماء والتضحيات وليس بالتنازلات وإستجداء المعونة من الآخرين.